تُوّج الترجي الرياضي التونسي مساء الأحد 30 أوت بطلا للدوري التونسي للمرّة 30 في تاريخه و للمرّة الرابعة على التوالي و ذلك قبل نهاية السباق بثلاثة جولات بعد أن إستقرّ الفارق بينه وبين ملاحقه المباشر إلى تسعة نقاط في ترتيب البطولة
و بالرغم من التندّر و التسلية بالأرقام في علاقة بالبطولة رقم 30 أُحرزت رسميا في يوم 30 من شهر 8 و هو اللقب رقم 8 منذ الثورة، فهي تبقى أرقام يصعب تحطيمها من قِبل من يستشعرون في أنفسهم القدرة على منافسة الترجي الرياضي التونسي علما و أنّ الموسم الحالي لم ينتهي بعد و ما زال يحمل في طياته لقبين آخرين يطمح أبناء معين الشعباني و مجدي التراوي بضمّهما إلى البطولة
منطقيّا الترجي الرياضي لم يَحد عن عاداته و تقاليده التي عاهد عليها جماهيره العريضة. الترجي الرياضي التونسي يجني الألقاب و يُهيّئ لنفسه الطريق للتواجد في كلّ المحافل القارية و الإقليمية و بمطامع عالمية من خلال سعيه للفوز برابطة الأبطال و تمثيل إفريقيا و تونس خاصة في كأس العالم للأندية. هذه هي طموحات الترجي الرياضي التونسي المتجدّدة على الدوام وهي تنطلق دوما من لقب البطولة المحلية الذي أصبح البعض من جماهير الأحمر و الأصفر يعتبرها من تحصيل الحاصل و من المسلّمات و هذا حسب إعتقادي أوّل الأخطاء التي باتت تُغذّي المُغالطات و المزايدات بين الأحباء عبر مختلف مواقع التواصل. كلّ نجاح، مهما كان مستواه، إن كان محليا أو قاريا أو اقليميا، فهو ثمرة عمل جماعي ينطلق من الإدارة و مرورا بالإطار الفني و البدني و الطبي وصولا إلى مجموعة اللاعبين و طبعا بمساندة الجماهير العريضة من خلال الدعم المادي و المعنوي و بالحضور المكثّف لمباريات الفريق و التشجيع المتواصل. هذه هي سلسلة النجاحات و هذه هي أدوار كلّ الأطراف المتداخلة في العائلة الترجية. اليوم، و أقصد هذا الموسم، أشعر و أنّ المعادلة التي عادة ما تضمن قوّة و وحدة الترجي الرياضي التونسي فقدت بعض عناصرها أو تكاد. و هنا لا بدّ من التنبيه و التحذير من الإنزلاق نحو ما من شأنه أن يعبث بإستقرار النادي لأنّ الوضع الحالي أبعد بكثير من أن يكون كارثي بل هي عبارة عن فترة إنتقالية واضحة الأسباب و واضحة المعالم و التي سنأتي عليها من خلال باقي المقال
قد يمتعض البعض من إعادة التذكير بأنّ الرصيد البشري الذي تحصّل على أمجد الألقاب في مناسبتين متتاليتين قد تغيّر بنسبة كبيرة. لكن هذه حقيقة لا يمكن المرور عليها مر الكرام و إعتبارها أعذار واهية. لا، هي في صميم الموضوع و كل ما لحِق هو نتيجة التغيير الحاصل على مستوى الرصيد البشري. الكلّ يعترف بأنّ ملحمة 2018 و 2019، أي الفوز برابطة الأبطال في مناسبتين كان وراءه لاعبين وصلوا إلى حديقة المرحوم حسان بلخوجة في صائفة 2016 و أذكر هنا كلّ من البدري و بن محمد، في حين وصل الكاميروني فرانك كوم في صائفة 2017 و قدم البلايلي في جانفي 2018. أي انّ مدّة التأقلم و العمل المتكامل مع المجموعة ناهزت السنتين بالنسبة لبعض اللاعبين و السنة و النصف للبعض الآخر. البلايلي، الذي يعرف العائلة الترجية، نجح في خلال سنة واحدة من تقديم الإضافة لأنّه قيمة ثابتة لا غبار عليها. في المقابل، الكل يعلم أنّ المنتدبين الجدد و أقصد أبرز الأسماء، الشتي و بدران و بن غيث الذين يمكن إعتبارهم أصحاب قيمة فنية مقبولة، قدموا إلى الترجي الرياضي التونسي في جويلية 2019، علما و أنّ موسمهم الأول عرف توقّفا طويلا جرّاء جائحة كورونا. توقّفا طويلا جرّا إذا ماذا يحدث وسط الأحباء و لماذا كل هذا التململ و التشكيك ؟ بل أكثر من هذا، لماذا وصل المستوى إلى الشتم و الحطّ من شأن المسؤولين و المدرب ؟ ألهذا الحدّ أصبح الترجي سيّئ ؟ صحيح أنّ الترجي أخفق في النسخة الأخيرة من رابطة أبطال إفريقيا و إنسحب ضدّ الزمالك في ربع نهائي المسابقة. للتذكير في هذه المسألة نقول أنّ لقاء الذهاب لم يكن سيّئ بالمرّة و كان الفريق قد إفتتح التسجيل و لكن ضربة الجزاء التي مُنحت للزمالك في الدقيقة 90+4 و صعّدت النتيجة إلى 3-1 كان لها الأثر السيّئ على مقابلة العودة التي فاز بها الترجي بنتيجة 1-0. هذا دون أن ننسى تأثير مقابلة السوبر أسبوع قبل اللقائين و التي مرّ خلالها الترجي بجانب الحدث رغم صعوبة و مستوى المنافس. صحيح أنّها كانت خيبة أمل كبيرة عند الجماهير، كلها دون إستثناء، و لكن أليست كلّ الفرق العالمية معرّضة لمثل هذه الإخفاقات ؟ ماذا بوسعنا أن نقول على نادي برشلونة الذي يلهث وراء رابطة أبطال أوروبا منذ 2015 ؟ ماذا نقول عن مانشستر يونايتد و جوفنتوس و باريس سان جرمان و دورتموند و مانشستر سيتي؟ هؤلاء أصحاب الميزانيات الخيالية و الذين ينتدبون أغلى المدربين و اللاعبين هل ينجحون في كلّ موسم ؟ هل يُحقّقون أهدافهم في كلّ موسم ؟ طبعا لا …. و هل يتعرّض اللاعبون و المدرّب و الهيئة للسبّ و الشتم ؟ طبعا لا
لا يمكن لأحد أن يُصادر حقّ الجماهير في النقد و حقهم في المطالبة بالنتائج و الأداء. لكن علينا أن نعلم أنّ ليس كلّ ما يتمنّاه المرء يدركه. الأخطاء موجودة و ستبقى موجودة، خارج الميدان و فوق الميدان، أخطاء تقييميه و أخطاء فنّية و لكن لا يخطئ إلّا من يقوم بعمل. علينا أن نعلم جميعا أنّ ما يعيشه الترجي الرياضي بصفة خاصة من إستقرار و هدوء و توازنات مالية و نجاحات، رغم تواجد الأخطاء، هو بفضل تضافر جهود كلّ الأطراف و أولهم الجمهور العزيز الذي لا طالما دعّم الفريق و إلتفّ حوله عبر التاريخ من أيام التأسيس إلى حدّ اليوم. فالمطلوب البقاء على نفس المنهج دون أن نحيد على دورنا الأساسي
اليوم لنا إدارة و لنا مدرب و لنا لاعبين و غدا سوف يكون حتما غيرهم فلا داعي لكلّ هذا الهرج فالأمر لا يتطلّب مثل هذه الانقسامات
ولكن من جانب أخر يجب أن نُقرّ أيضا أنّ من بين سُبل النجاح في الفرق الكبرى هي سياسة التواصل التي يجب أن تكون موجودة و راسخة في تقاليد الترجي حتى نتجاوز كلّ التأويلات و الإشاعات و نقطع الطريق أمام المزايدات. حاليا هذا الجانب الإتصالي غير متوفّر في أعرق فريق تونسي ينافس فرقا كبيرة في القارة الإفريقية و يشارك في كأس العالم للأندية
فمن غير المعقول أن لا تتوفّر أبسط المعلومات عن مغادرة هذا اللاعب أو ذاك أو إستبعاد هذا اللاعب أو ذاك، من غير المعقول أن تترك الإدارة المجال « للقيل و القال » و أن يطلع تارة هذا و ذاك بأخبار « حصريّة » لا مجال لها من الصحّة فتبعث البلبلة في صفوف الجماهير. المطلوب اليوم هو إصلاحات جديّة لسياسة التواصل بين الساهرين على الفريق و جماهيره العريضة القريبة من العاصمة و البعيدة منها و حتى المقيمين خارج أرض الوطن بآلاف الكيلومترات و التي من حقها الوصول إلى المعلومة عبر القنوات الرسمية للنادي بعيدا عن « الحصريات » الكاذبة و المؤجّجة للأوضاع
أ-مامي