في مقدّمة هذه الورقة، لن نُطيل عليكم في وصف المشهد الرّياضي العالمي، على مستوى كرة القدم خاصّة، و الذي يشهد منذ عقود نسقا تصاعديّا في الإستثمار و اللّهث وراء الأرباح بشتّى الطّرق. عالم كبير و أموال ضخمة و مصالح متعدّدة الأطراف أصبحت تُهيمن على شؤون الكرة في سلسلة لا مُتناهية، آخر حلاقاتها هو المواطن الشّغوف باللّعبة السّحريّة والذي تجده قابعا أمام تلفازه ينتظر صافرة الحكم حتّى يمضي بعض الوقت يُروّح فيه عن نفسه و يستمتع بما تُقدّمه كرة القدم من إثارة و جماليّة و فنون على كلّ المستوايات ـ
طبعا، بُلوغ هذه المُباريات عبر التّلفاز، على المستوى العالمي، يتطلّب حدّ أدنى من المصاريف يُقدم عليها المُشاهد، إن كانت معاليم إشتراكات أو تجهيزات أخرى لإلتقاط الصّورة، من إنترنت و وسائل فكّ القنوات المُشفّرة و هذا منطقي الى حدّ كبير في ظلّ تفاقم مبالغ الإستثمارات في عالم الكرة ـ
لكن رغم كلّ هذه الإكراهات يجد المواطن البسيط، الذي لا يقدر على تحمّل المصاريف المذكورة آنفا، منافذة عدّة لمُشاهدة المباريات كيف ما شاء، منها اللّجوء الى الأماكن العموميّة كالمقاهي و الفضاآت التّرفيهيّة مُقابل مبلغ يبقى عموما زهيد مُقارنة بما هو مطلوب على الصّعيدين الخاصّ و الشّخصي. هذا لنفهم جميعنا، و خاصّة المُشرفين على كرة القدم في تونس، مدى أهمّية هذه الرياضة و مدى وقعها على المواطن ـ
في تونس، و هذا هو بيت القصيد، يدفع المواطن بصفة آليّة عبر فواتير إستهلاك الكهرباء معاليم قارّة لفائدة مؤسّسة التلفزة الوطنيّة ممّا يضمن له الحقّ في مُشاهدة كلّ ما يُبثّ على القنوات الوطنيّة، منها الحقّ في مُتابعة مباريات بطولتي الرابطة المحترفة الأولى و الثّانية لكرة القدم. و هذا ليس بالمنّ على المواطن بل هو حقّ مُكتسب لا يُمكن لأيّ جهة كانت أن تغتصب هذا الحقّ و إلّا أصبح جُرما و تعدٍّ صارخ على أبسط حقوق المُواطن يُضاهي جريمة السّرقة الموصوفة ـ
ما قامت به جامعة كرة القدم بقرار من هيئتها و على رأسها وديع الجري، في علاقة بخلاف بين جامعته و مؤسّسة التّلفزة الوطنيّة، بعدم السّماح لبثّ مقابلات الجولة الإفتتاحيّة لبطولة موسم 2017 ـ 2018، يندرج في خانة هذا الإجرام في حقّ المُواطن. كيف يُمكن لأيّ جهة من الجهات المُتداخلة في شأن رياضة كرة القدم أن تُصادر هذا الحقّ أمام السّكوت القاتل لوزارة الإشراف و رئاسة الحكومة ؟ ألهذا الحدّ أصبحت أبسط حقوق المُواطن في مهبّ الرّيح ؟ جامعة كرة القدم و مؤسّسة التّلفزة الوطنيّة وصلتا إلى أسفل السّافلين بهكذا تعامل مع المُواطنين في ظلّ الوضع المزري التي وصلت إليه البلاد. هذا وضع مُشين لا يُسكت عليه حتّى و إن كانت هناك فعلا أولويّات أخرى تهمّ المواطن لكن يبقى حقّ التّرفيه و متابعة المقابلات الرّياضيّة من أبسط طلبات التّونسي البسيط. و على غرار المثل الدّارج في الأوساط الإجتماعيّة : « تعاركو سعد و سعدالله، حطّوا سعديّة في الحبس »…خسِئتم، ما أحقركم أُناس
أ ـ مــــامـــي